تفسير سورة طه _ الاية 117
قوله تعالى: «فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك و لزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى» تفريع على إباء إبليس عن السجدة أي فلما أبى قلنا إرشادا لآدم إلى ما فيه صلاح أمره و نصحا: إن هذا الآبي عن السجدة - إبليس - عدو لك و لزوجك إلخ.
و قوله: «فلا يخرجنكما من الجنة» توجيه نهي إبليس عن إخراجهما من الجنة إلى آدم كناية عن نهيه عن طاعته أو عن الغفلة عن كيده و الاستهانة بمكره أي لا تطعه أو لا تغفل عن كيده و تسويله حتى يتسلط عليكما و يقوى على إخراجكما من الجنة و إشقائكما.
و قد ذكر الإمام الرازي في تفسيره وجوها لسبب عداوة إبليس لآدم و زوجه و هي وجوه سخيفة لا فائدة في الإطناب بنقلها، و الحق أن السبب فيها هو طرده من حضرة القرب و رجمه و جعل اللعن عليه إلى يوم القيامة كما يظهر من قوله لعنه الله على ما حكاه الله: «قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض و لأغوينهم أجمعين»: الحجر: 39.
و قوله: «قال أ رأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا:» الإسراء: 62، و معلوم أن تكريم آدم عليه هو تكريم نوع الإنسان عليه كما أن أمره بالسجدة له كان أمرا بالسجدة لنوع الإنسان فأصل السبب هو تقدم الإنسان و تأخر الشيطان ثم الطرد و اللعن.
و قوله: «فتشقى» تفريع على خروجهما من الجنة و المراد بالشقاء التعب أي فتتعب إن خرجتما من الجنة و عشتما في غيرها و هو الأرض عيشة أرضية لتهاجم الحوائج و سعيك في رفعها كالحاجة إلى الطعام و الشراب و اللباس و المسكن و غيرها.
و الدليل على أن المراد بالشقاء التعب الآيتان التاليتان المشيرتان إلى تفسيره: «إن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى و أنك لا تظمؤا فيها و لا تضحى».
و هو أيضا دليل على أن النهي إرشادي ليس في مخالفته إلا الوقوع في المفسدة المترتبة على نفس الفعل و هو تعب السعي في رفع حوائج الحياة و اكتساب ما يعاش به و ليس بمولوي تكون نفس مخالفته مفسدة يقع فيها العبد و تستتبع مؤاخذة أخروية.
على أنك عرفت أنه عهد قبل تشريع أصل الدين الواقع عند الأمر بالخروج من الجنة و الهبوط إلى الأرض.
و أما إفراد قوله: «فتشقى» و لم يقل فتشقيا بصيغة التثنية فلأن العهد إنما نزل على آدم (عليه السلام) و كان التكليم متوجها إليه، و لذلك جيء بصيغة الإفراد في جميع ما يرجع إليه كقوله: «فنسي و لم نجد له عزما» «فتشقى» «ألا تجوع فيها و لا تعرى» «لا تظمؤا فيها و لا تضحى» «فوسوس إليه» إلخ «و عصى» إلخ «ثم اجتباه ربه فتاب عليه» نعم جيء بلفظ التثنية فيما لا غنى عنه كقوله: «عدو لك و لزوجك فلا يخرجنكما» «فأكلا منها فبدت لهما» «و طفقا يخصفان عليهما» «قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو» فتدبر و قيل إن إفراد: «تشقى» من جهة أن نفقة المرأة على المرء و لذا نسب الشقاء و هو التعب في اكتساب المعاش إلى آدم و فيه.
أن الآيتين التاليتين لا تلائمان ذلك و لو كان كما قال لقيل: إن لكما أن لا تجوعا إلخ، و قيل: إن الإفراد لرعاية الفواصل و هو كما ترى.